وهم العودة والانتمـــاء
كان لديه قدرة هائلة على الاصرار ... لم يبخل علينا يوما بأى معلومة او نصح... طلب منى دائماً ان أحاول ان اكون ناجحاً جدا فى دراستى وان ابحث عن الناجحين فاكون صديقهم ... كان له هدف عبقرى ، يبحث عن المتميزين فى كل مجال ويكوّن بينهم صداقات ... لم تكن له خلفية فكرية واضحة كان منفتحا على كل الافكار
لم أكن اتخيل ابدا طوال سنوات الدراسة بالجامعة أن مصر قد يصيبها ضرر وفيها شباب مثله ... لم ييأس ابدأ من الاصلاح والتغيير ونبذ التطرف
منذ ايام قليلة كنت أعيش فى أزمة مرهقة جداً ... ولما هاتفنى على رقم احد اصدقائى عرض عليه فرصة للسفر حيث هو الان
كان يقول إن مصر تحتاج لكل شخص كفء حريص عليها ... وكانت خطته فى التغيير أن يكون تغييراً حقيقياً وليس سياسياً ... كل شخص يبحث عن شخص ناجح وذو كفاءة .. وبدوره يطلب من الشخص الجديد البحث عن شخص اخر ناجح وكفء وبالتالى تتكون شبكة من الكفاءات والناجحين يسعون جميعهم الى تنمية المجتمع تنمية حقيقية فى المجالات الملموسة .
منذ عدة شهور أرسل لأخر ما تبقى من اصدقاء الجامعة عقد عمل للخارج حيث هو وتركنى وحيداً فى مصر
أحلام العودة دائما تبدأ قبل السفر ... الامانى بالعودة عند صلاح الاحوال ، عند تكوين الذات ، عند الاستقرار المادى ، وغالباً ما يبدأ الحلم وننسى ان اولى خطوات تحقيقه هى الاستيقاظ منه ... نضيق على انفسنا لندخر فلا نعيش هناك حياة كريمة لكى ندخر ... تمر الاعوام فى الانتظار والتمنى ويمر معها العمر وتظل الاحلام مؤجلة ... نستيقظ على دخول ابنائنا الجامعة فنعود الى مصر سريعاً لأنهم لا يحظون بفرصة التعليم الجامعى هناك الا بمبالغ مرهقة ... يشعر الابناء بالغربة فى مصر ... يكون الزمن قد تقدم بنا ... يتمتع الابناء بالمال المدخر فى مصر ... نموت دون ان ننعم بمدخراتنا .. يرث الابناء المدخرات ومزيد من الشعور بالغربة والوحدة
كان يقول لى أن الوطن معنى لا يمكن التعبير عنه .. كان سعيدا بشقته البسيطة فى بيت والده وبعمله فى شركة ملابس ناشئة بمرتب بسيط يرى انها مشروع لصناعة ماركة قد تكون عالمية يوما ما
كانت الاحلام تنير ضحكته وتثير املنا واصرارنا على تحقيق الاحلام الحقيقية ودافعا للاستمرار فى طريق البحث عن المتميزين
منذ يومين ... فى عز الازمة ... كان يتحدث مع صديق جديد لى ... صديقى الجديد متميز وكفء عثرت عليه بعد طول عناء .. لا يرغب فى السفر ويبحث معى عن المتميزين .. لكنه داعب بداخله فكرة السفر
الذين يسافرون يتغيرون ... تتغير نظرتهم للحياة ... تتغير فكرتهم عن الرفاهية ... عن رائحة الهواء ... عن معنى الراحة .. وربما عن الانتماء
صديقى القديم أعتبره اليوم أحد عناصر الهدم ... مازلت احب حلمه بالبحث عن الكفاءات .. لكنه أصبح منتميا لفكرة شعثاء ... أصبح السفر مسيطرا على فكره فلم يعد يجد ما ينتمى اليه حتى فى اوقات الازمات ... ربما انه لا زال مخلص لفكرته فى البحث عن المتميزين ... لكنه اليوم يهربهم للخارج بدلا من الحرص على بقائهم بالداخل
أتسائل اليوم
ما الفرق بين الذين ينهبون أموال البلد ويحولونها للخارج ؟؟ وبين الذين يسرقون المصريين أنفسهم بالسفر ؟؟؟
والسؤال الاخير ... هل يمكن أن تتحول شركة الملابس الناشئة الى ماركة عالمية بعد سفره ؟؟؟